lundi 29 octobre 2012

حكاية الماء وتمثال الحديقة

حكاية الماء وتمثال الحديقة
 

 ما انفكّت قطرات الماء تبلّل شعرها ثمّ تنساب على كتفيها وظهرها لتهيم على مرمر هذا الجسد العاري أنّى شاءت لها تضاريسه المتناسقة لتستقرّ في البركة التي موّهت بتموّجاتها الجمال المنعكس على صفحتها حتى لا يكون لجمال تمثال المرأة مثيل وإن كان انعكاسا له.. كانت كنرجسة سُقيت فنضرت فسمقت.

هواء بارد لحس من قطرات الماء المستسلم للنّشوة على النهد فاقشعرّ الجسد وبرعمت الحلمتان فنفرتا. أُنيرت فجأة مصابيح الحديقة فاحتمى بعض شعاعها بالماء فانكسر فأشعّ الجسد نورا وصار المشهد حلما.

كانت البركة دائرية الشكل زنّارها خضرة وشّتها أزهار تباهى كلّ لون بنضارته فأشعّ المكانُ. كان حول كلّ هذا مقعدان من خشب انتحى كلّ واحد منهما جهة مقابلة للآخر وكنتُ أجلس كما في كلّ مرّة على طرف المقعد القريب من شجرة الصفصاف العظيمة أراقب وأنتظر كما في كلّ عشيّة ولكنّها لم تأت.

 صبيّة جميلة دأبت منذ أيّام ستّة تجلس على المقعد المقابل وبيننا تمثال المرأة وماؤه. لم يبتسم أحدنا للآخر ولم نتبادل حرفا واحدا، ولم تسبقني إلى المكان إلاّ في اليوم الثّالث.. ينظر أحدنا إلى الآخر ثمّ يولّي كلانا بصره صوب التّمثال فيودي المشهد بالزّمن. كانت تضغط أزرار هاتفها الجوّال بعد إنارة مصابيح الحديقة ثمّ تضعه قرب أذنها ثمّ تعيده إلى حقيبتها دون أن تحرّك شفتيها ثمّ تنظر إليّ قبل أن تغادر الحديقة.
اليوم السّابع: لم تحضر.
اليوم الثّامن: لم تحضر.فقلت:" إنها لن تأتي"
اليوم التّاسع: لم تحضر فشعرتُ بفراغ المكان.. أنا لم أكن آتي من أجلها.. كان ينظر أحدنا إلى الآخر مرّة عند القدوم وأخرى عند مغادرتها الحديقة لكنّها الآن أفسدت عليّ عادتي فصرت أشعر بفراغ المكان.
اليوم العاشر: نهاية يوم شتاء شديد البرودة والحديقة خالية من زوّارها كما في الأيام السابقة.. قرّرتُ أن أجلس على مقعدها وفعلتُ. شعرتُ بعد برهة بنظرات تخترقني فالتفتّ وكانت هي. نظر أحدنا إلى الآخر وظلّتْ واقفة فنهضتُ وعدتُ إلى مقعدي فاستقرّتْ على مقعدها المقابل كالعادة. نظرتْ إليّ ثمّ حوّلتْ بصرها صوب التّمثال وفعلتُ فعلها.
     
 أشعّتْ مصابيح الحديقة فضغطتْ أزرار هاتفها وغابت فمضى الزّمن في الحلم.
اليوم الحادي عشر: كان الطقس دافئا منذ الصباح خلافا للأيام السابقة فعادتْ الحركة إلى الحديقة وكانتْ تجلس على مقعدها حين وصلتُ عشيّة كعادتي.. على مقعدي جلس عاشقان تشابكتْ أصابعهما وارتحلتْ عيونهما تصارع الرّغبة والخفر.. أحببتُ المشهد فبقيتُ واقفا. نظرتْ إليّ وابتسمتْ فابتسمتُ ثمّ وقفتْ ودون أن تضغط أزرار هاتفها الجوّال ودون أن تنتظر إنارة مصابيح الحديقة غادرتْ مقعدها ولم تلتفت. فأخذتُ مكانها.. نظرةٌ وصمتٌ وتمثال امرأة عارية ومناجاة عاشقين وماء ينام في حضنه نور.
    
بقيتُ برهة أنظر إلى العاشقين فابتعد أحدهما عن الآخر وندمتُ فانسللتُ مغادرا الحديقة. كنتُ ممتلئا بمناجاتهما.. لعّلي كنتُ أرى فيهما ما تمنيته لي.. وقلت غدا سألحق بها إذا ضغطت أزرار هاتفها وغادرت.
    
حضرتْ في الغد ولم أكن أنظر إليها بل كنت أنتظر. بقيت أنتظر اللحظة الهامة.. لحظة ضغط أزرار الهاتف والمغادرة لأتبعها.. لأكشف هذا السّر.. وأُنيرت مصابيح الحديقة ونهضتْ فوقفتُ لكنّي ارتميتُ من جديد على مقعدي مقنعا نفسي أنّ سرا جميلا دائما أفضل من حقيقة زائلة.

مضى أسبوع على قراري وكانت تحضر كعادتها وابتدأ الصّبر ينفد وصرتُ أعيّر نفسي بالجبن وأنسب إليها كلّ عقد الرّهاب من الجنس الآخر وقد صارت آخر من أذكر قبل أن أنام وأوّل من يتبادر إلى ذهني حين أستيقظ ومضتْ أيّام استولتْ فيه فتاة الحديقة على كلّ مساحة في حياتي حتّى بتّ أتمنّى ألاّ يكون في الكون غير زمن واحد. زمن رؤيتها.
    
توقف ماء البركة عن عبثه المعتاد في بداية الأسبوع الرّابع ولاح لي شيء في التّمثال غريب فاقتربت منه وكانت المفاجأة، التمثال نحتٌ للمرأة التي كنت أرقبها كلّ يوم وقد غيّب الماء عنّي التفاصيل في الأيّام السّابقة، كان النّحتُ توأمها طولا وتفاصيل وجه.. أكانت تحضر لتتأمّل ذاتها في هذا التمثال وهي عارية تذيب الماء رقّة وتذوب فيه سُكّرًا، وقلتُ إن كان وجودها في حياتي يعنيني فعليّ أن أكلّمها وإن كنتُ أريد أن أراها عارية فها هي أمامي وعليّ أن أقرّر. سرّ الرّوح فيها ما أبحث عنه وهو الآن لغز أم سرّ الجسد وها قد أصبح مكشوفا وقلت آن أوان الحقيقة. حقيقتي أنا لا حقيقتها هي.. لكنّها لم تحضر.

دخلتُ الحديقة في اليوم الموالي وقصدت المكان فصعقتُ، لقد أُزيل التّمثال وجُفّف ماء البركة فلم أشأ أن أصدّق أن يُودى بحلم فيوأد قبل أن يبرعم وقلت لقد صار المكان والزّمان وما فيهما حلمي فكيف يودى بحلمي وقلت إنّ التّمثال قد نُقل من مكانه فما عليّ إلاّ أن أبحث عنه رغم قناعتي بزيف الأحلام التي يقع تغيير عالمها الذي نشأت فيه.

 رحت أبحث داخل الحديقة لكنّ الأمل خاب وقلت لم يبق لي إلاّ أن أسأل القيّم على الحديقة وقصدته سائلا عمّا حلّ بالتمثال فابتسم ولم يجب قلت: "المكان صار خاليا بدونه" فقال:" أهدته صاحبته إلينا شرط أن يبعث النورُ فيه الحياةَ مع أنّي لا أفهم كيف فكانت كلّ يوم تجلس في انتظار إنارة المصابيح فإذا لم ترتح للإنارة تعطينا إشارة من خلال هاتفها الجوّال فنحوّر في وضع المصابيح وقد جرّبنا كلّ الأوضاع لكنّ ذلك لم يرضها فسحبتْ التمثال من الحديقة. وضحك باستهزاء وهو يردّد نور يبعث الحياة في الرّخام" وأغاظتني ضحكته التي أبت أن تتلاشى وأنا أبتعد عنه.

samedi 27 octobre 2012

المقدمة

هذه مقدّمة المجموعة القصصية التي نشرتها سنة2007 تليها نصوص القصص
عشق زيوسُ ربّ الأرباب ذيتيسَ عروس الماء الفاتنة.. ولكنّه آثر أن يستشير ربّات الأقدار قبل أن يبني بها فحذّرنه من ذلك فقصر هواه وأمر زيوس أن تتزوّج ذيتيس بليوس فحزنت ذيتيس غير أنّ وعدا بحضور كلّ الآلهة زواجها دغدغ كبرياءها وقبلت الزواج ببليوس.
كان عرسا أولمبيا ساحرا لم يربكه غير حضور ايريس ربّة الخصام التي لم يرسل أحد إليها دعوة خوفا على العروسين... نظرت ايريس إلى الجميع ثمّ غادرت دون كلمة وقد تركت على الخوان الفخم تفاحة كبيرة من الذّهب نقش عليها "للأجمل".
اجتمعت الغانيات حول التفاحة تريدها كلّ واحدة منهنّ لنفسها ثمّ ساد صمت عميق حين تقدّمت حيرا ومينرفا وفينوس اللواتي اختلفن في شأن الأحق من بينهنّ الثلاث بالتفاحة فقرّرن الاحتكام إلى أوّل قادم عليهنّ بعد أن ذهبن إلى شاطئ البحر.
كان باريس أوّل من طلع عليهنّ  فاحتكمن إليه.
تقدّمت حيرا قائلة:" أنا حيرا زوجة زيوس صاحبة القوّة والسلطان لذا أنا أحقّ بالتفاحة.. أنا حيرا ملكة الأولمب.. سأمنحك عرشا ومالا." وهمّ باريس بتقديم التفاحة إلى حيرا لو لا أن تقدّمت مينرفا قائلة:" على رسلك أيّها الشاب.. اسمع منّا جميعا ثمّ اقض ما بيننا.. أنا لن أزخرف عليك بملك ولا سلطان.. أنا مينرفا ربّة الحكمة.. سأمنحك السّداد وأضيء لك مصباح المعرفة فتكون أحكم النّاس." وكاد باريس يقدّم التفاحة إلى مينرفا لو لا أن تقدّمت فينوس مبتسمة في دلّ قائلة:" باريس.. لك عينان تعرفان الحسن وقلب يعرف الغزل.. أنا فينوس ربّة الجمال.. التفاحة للأجمل يا باريس. سأهبك أجمل فتاة في العالم تتزوّجها فهات التفاحة يا حبيبي.." وقبل أن تنهي فينوس سحرها كانت التفاحة بين يديها الجميلتين رغم الصيحات التي كانت تأتي إليه من البحر "لا يا باريس.. لا يا باريس.. أعط التفاحة لمينرفا .. أعط التفاحة لمينرفا.."

مدونة كتاباتي

مدونة كتاباتي

هذه المدونة خصصتها لكتاباتي. كتاباتي تعني أنا في جنوني وانضوائي
تعني زمن البحث عن الذات …وتعني ما باحت به أوقات تأملي والأمكنة المجهولة من ذاتي

Newer Posts