lundi 21 avril 2014

تكوين.. والحكاية واحدة.

   
       تكوين والحكاية واحدة

ذات فجر.. يوم عيد
نواحٌ علا
قال:" أرى المكانَ صادق الحسّ هذا الصّباح.. حلمٌ وزحامٌ وضياعٌ.. منّا من يراه حانةً ومنّا من يقول صومعة.. هناك من يقول مقبرة.. وقد يكون خيالَ واقفٍ أو جالسٍ إلى طاولة.
إنّ مكاننا فينا.

"لماذا يُهزم التّاريخُ دوما كلّما دخل حقبةً جميلةً ؟" قال (م)
"أرفض الكلام" قال (ك)
وهفتْ نفسي إلى الكلام فكان منذ اللّيلة الأولى فاتحة الألف حتّى ذلك اليوم الممطر والمقبرة.

ضحك (م) ثمّ قال:" يقصّ عزرائيل فتغيب الحكايا في كفن طرس ويقصّ  لحيته من الأسفل كلّ تمام بدر لتطول، لكنّه متهافت لا محالة يوم نبتدع ميتات جميلة واعية. انظروا شهرزاد وقد كادت تموت لولا اللّغة والصّياح والصّباح.. سندباد الكلام كانت."

ضحك (س) دون كلمة افتتاح لأنّ ابن الكلب -خياله كما تعوّد أن يسمّيه- صوّر له شهرزاد زهرة ثلج باردة خرساء.. شماتة هكذا.. جسد بارد وحرف ناشز وغمغمة.. فترى كيف تروي اللّيالي كي لا تموت؟ وضحك (س) بلذّة مرّة ثانية ثمّ استدرك:" شهرزاد لا تموت.. كلام جميل ومعاني منقذة. وإن كانت خرساء فشهرزاد امرأةٌ.. سرّ الأسرار.. لذا لابدّ أن تبتدع جمالا آخر ومعاني فيها الرّوح خالدة.. وقد لا يكونان من أجل العذارى وقد لا يكونان من أجل الملك.. إنّها تحبُّ والعاشق عادة يبتكر.. وشهريار القويّ الثّري المجنون يُثري الأحلام فتنتشي لها وسائد الصّبايا.. هي المرأة تحبّ وشهريار الرّجل."

قال (م) :" روتْ شهرزاد عشقا لا تضحية وسلطة لا شهادة فما أعظمها مسيحا للهوى..! إنّها الآسرة ناطقة أو صامتة."
قال (ك) بعنف :" أرفض الصّمت أنا."
قلتُ :" الحين رفضتَ الكلام."
قال:" أرفض." وأشاح بوجهه.

نواح علا.
زدتُ تركيزا.
صاح (م) :" على درب الخساسة دوما.. آلام النّاس مطيّة تركبها وأنت أفشل الفرسان قطعا."
قلت:" لكنّها ماتت."
قال (م) :"أليست قصة أخرى ؟ اكتب إذا."
قال (س) :" ليس قبل أن نعرف من منّا البطل."
قال (ك) :" أرفض."
قلت :" ماذا؟"
قال :" هذا." وما زاد.
النّواح علا.
قلت :" الحدث هو البطل فمن يروي؟"
قال (م):" القصّة واحدة.. دوّن أنّه في زمن اللّيل والعشق والغربة عندما تحاصرني الأسئلة وأخرس أنا في هذا المدى المغلق على روحي والذّكرى.. أطلبُ الحياة فأحمل دواوين شعر، ألف رسالة ورسالة منها إليّ وأرحل إلى ذلك اليوم الممطر والمقبرة.. قالتْ وهي تبكي، (س) لم يعد يحبّني، ثمّ افترقنا لتصل أولى رسائلها إليّ ثمّ الثانية فالثّالثة فكان العشق وكانت الخيانة فكانت اللّعنة وما بقي شيء عدا ذلك اليوم الممطر والرّسائل والوجوه الغائمة وبعد ذلك كانت المقبرة."
قال (س) :" دوّن أنّي كنت أعبدها." وسحق عقب سيجارة ليحرق أعصابي قبل أن يضيف:"أحببتُ فوضاها."
قال (م):" بل هي المنطق."
قلت :"ثمّ ماذا؟"
قال (ك):" أرفض حديثا عن قبلة أو لمسة أو فراش. ما أعفن جسد الفكرة."

النّواح علا.
ازددتُ تركيزا.
قال (س) :" لقيتُها يوم عيد فقلتُ أتّخذها أنسا تحرسني من غربتي وتعويذة تنهي كوابيسي فكان الوجد فعبدتها وأردتها سلاما ضاق عنه صدرها وأرادتني نشوة لا تنقطع وحلولا ضاق عنه صدري فاغتسلت من عبادتها ومنّي فأرسلتْ إليّ (م) نبيّا حين كفرتُ ولا معجزة يُظهر عدا قوله "لقد ضاق صدرها وقد يتّسع للمغفرة" وقلت "آلهة تستجدي العبادة ليست سوى مسخرة إنّ  صدر الحياة أرحب.. يُطلب ولا يَطلب.. قد أترنّح في الطّريق.. أصيب حينا وأكثر الأحيان أسقط، لكنّ الحياة أرحب. الحياة أرحب."
قلت:" أنا لا أفهم."
قال:" حين يلتقي مخادع وأحمق وتكون عاجزا أمام طلسم، تُرى برأيِ من تأخذ؟"
قلت:" شهرزاد قتيلتكم ولنا في كلّ زمن شهريار."
ضحكوا ثمّ بصوت واحد قالوا :" لستَ مخادعا ولا أحمق بل عورة أنتَ فَوارِ سوءتك حتّى لا تخجلها." وفوجئت أنّها كانت هنا.. هنا تراقبنا.. بأنوثة صارخة ولذّة جامحة..
ابتسمتْ ثمّ خرجتْ وتركتنا للمكان.. مكان خال إلاّ من صدى يتردّد "أنتَ كلٌ في جسد فتذكّر:
فجر هذا العيد
ثلج ورياح ناهشة
هناك عند السّياج
ركعت زنبقة
تنشد الرّب خلودا
لبكاء حبّ
ونعي قلب
في كون مقبرة
قلت:" أجل، ذكراه اليوم وقد مرّت سنة. وإن كان لابدّ من الموت تُرى أيّ القبور أرحب؟"
ردّ الصّدى:" الذي لا صمتَ فيه، وهذه شهرزاد باقية وَفَتْ للحرف فاتّسع المدى فأقبل على طهرك يا رجل."

وكان الانفجار فكان الكون.. وكان الكون فصرت أعدو.. وصرت أعدو.. أدفع الزّحام والخضرة والأنعام صائحا أنا أرفض.. لقد وجدتها.. لقد وجدتها.. يجبُ أن أُكفّن العاديّ فيّ وأشيّع الزنبقة إلى رمسها دون حنوط تاركا ورائي "اذكروني بعد آهات الرّحيل."
وكان التكوين.




    

samedi 5 avril 2014

الشخصيّة

   
   
الشخصيّة

ولد صامتا فضربوه ليصرخ، ورفض جسمه النّموّ فحقنوه ليطول ويمتلئ، وكره الدّراسة فعاقبوه ليتعلّم، وأحبّ فامتعضت الفتاة منه رغم بشاعتها. قضى والده حياته مساعد حلاّق لكنّه لم يوفّق في تعلّم الحلاقة رغم تعدّد رؤوس الأيتام وقضت أمّه دنياها بين البخور تحاول شفاء من آمن ببركتها أو ترفع عقيرتها تهدّد من شكّ في قدراتها واستهزأ بأعشابها وجنّها. أحبّ الحياة فقيل له خسئت فقال الموت إذا فقيل له أتظنّ نفسك حيّا.

هكذا أظنّني ابتدأت الحكاية أو هكذا قلت سيكون فسخر هوّ منّي قائلا:"لماذا لا تضيف أنّي أجرب أعرج أقرع أعور كذّاب منافق سفيه أبي عنّين وأمّي زانية ولا تنس أفعالا مثل احدودب وتخنّث وبشع وثقل جسدا وظلاّ وحبّذا لو توشّح ذلك بعبارات مثل عافانا الله من لؤمه وشؤمه غراب البين وبوم الخرائب وشؤم المصائب ودجى الخطوب امرؤ سوء فزّاعة الحقول نتن الإبطين بخر الفم..
قلت:" كفى تهافتا وما قد يقول القارئ إن أنا صوّرتك كما ذكرت؟ أنا فنّان يا هذا وأنت بطل عملي."
قال:"مرحى لفنّ يخرج من حرّك أقصد من حرفك. يصوّر أحدكم بطلة عمله جميلة ذكيّة جذّابة ملاكا. لماذا؟ ليقدّمها إلى قرّائه مومسا يشتهيها الرّجال فقل أ كتّاب أنتم أم قوّادون تقدّمون ما أنجبتم من بناتكم أقصد بنات أفكاركم؟ بل أراكم تتفنّنون في تنويعهنّ لإخراجهنّ فوق التصوّر والعادة فمرحى للفنّ."

قلت:" كأنّك تريد أن نقدّمهنّ متشابهات كالمعلّبات يستعصي أحيانا فتحهنّ."
قال :"احذوا ذلك بل افتحوا أنتم لمن يريد أن يأكل ثمّ ما همّني ما دمت سأكون أحد الآكلين."
قلت:" وكيف ستكون أحدهم؟."
قال:" ألست أحد أبطال عملك وما دمتُ كذلك فلا بدّ أن تشتهي إحداهن وتكون لي وحدي حين تطوى الصّفحات وأرجو أن تعود إلى السّطر حين أبدأ أنا فلا أريد أن يضع أحد قرّائك نفسه مكاني حين تبدأ الخلوة فضع نقطة النّهاية أرجوك لأنّه كذا دأبكم معشر المبدعين.. أليس كذا تسمّون أنفسكم؟ قلتُ كذا دأبكم.. تنظّرون أنتم ويفعل الآخرون وشتّان بين اللذّتين."
قلت:" أعلم أنّك تتميّز غيضا كنار جهنّم لأنّي لم أجعلك الوسيم الجبّار العبقريّ الذي تذوب المرأة لمرآه ويخرّ الحديد بين يديه ويخترق ذهنه حجب الطّلاسم فيبدّدها. أهكذا يجب أن يكون البطل يا..؟"
قال:"نسيتَ اسمي؟"
قلت:"لم أسمك بعد."
قال:"اجعل لي الآن اسما فحتّى الأشياء تحمل أسماء."
قلت:" عزّان من العزّ أو حارب من الحرب أو غافر.."
قال:" لِمَ لا تجعله حويطب أو عنجهة أو هبنّقة أو خشلاف أو عرقوب أو ابن الكلب؟"
قلت:" أمعقول أن أسميك ابن الكلب كن جادّا."
قال:" بل هو عين الجدّ ابن الكلب هو خير أسمائي لأنّي ابنك أنت مادمت  ابن أفكارك."
قلت:" هذا تهريج لا يليق."
قال:" ومن يصوّر الشخصية حتّى تبدو كالمهرّج؟ أليس أنتم يا من تخلقون مسخا وتظنّون أنّكم تصوّرون الإنسان. آه لو كنتُ بطل عمل تامّ لقلت يا شخصيّات الأعمال الفنّية اتّحدوا إنّ المبدعين مسخوا الحياة.. جعلوا شخصيّاتهم لقطاء.. بل آه لو خنقتْ كلّ شخصيّة لقيطة مبدعها قبل أن يُكمل تفاهته لما بقي إلاّ الإنسان ولما بقي في دوائر المعارف وجذاذات المكتبات وكتب الأعلام والتّراجم سوى أسماء مبدعي الإنسان ويا صاحبي توقّف لأنّي كما ترى شخصيّة لقيطة فأنت مبدع فاشل وما قلناه الآن مقلق مرهق فتوقّف لأنّ شيئا داخلي يخبرني أنّي سأخنقك في نهاية العمل."
قلت:" أتوقّف بعد أن قضيت اللّيالي أراك في أحلامي؟"
قال:"أمّا أنا فأراك في كوابيسي فتوقف."
قلت:" سأتوقّف ما أتفه ما قلنا."
قال:" كبرياءٌ هذا ليقال لك بل رائع ما كتبت أم هو ما تراه حقّا؟"       

                   

Newer Posts Older Posts