jeudi 7 août 2014

نور

نور...
           
  كان الاتّفاق ألاّ يكلّم أحدهما الآخر مدّة اشتعال الشمعة.
تناول الشمعة من يدها.. وضعها على القارورة الفارغة.. تناول عود ثقاب.. حكّ رأس عود الثقاب على جانب العلبة فاشتعل نارا لا شيبا.. أدنى العود من الشمعة فصارت علما على رأسه نار ائتمت الأبصار به.. قامت هي إلى زر الكهرباء فأطفأت المصباح وعادت إلى الطاولة.. كان أحدهما يجلس قبالة الآخر. وضع الشمعة المنتصبة على الزجاجة بينهما.. انعكس ظلّ كل واحد منهما على الحائط خلفه. ظلاّن عملاقان. ارتعش لسان النار على الشمعة وهو ينقلها فتحرّكت الظلال والأنوار على الأشياء برفق كأنّها تهدهدها وتطمئنها على حال يكون بعد ذوبان الشمعة.

كان الاتّفاق ألاّ يكلّم أحدهما الآخر مدّة اشتعال الشمعة. جال ببصره في أرجاء الغرفة.. أشعل سيجارة.. تصاعد الدخان.. ملأ كأسها ثمّ كأسه.. أشعلت سيجارة من الشمعة. وضع مرفقيه على الطاولة أسند ذقنه وخدّيه إلى كفّيه وجعل يتأمّل وجهها وقد ارتسمت على كل مقلة شمعة.. اكتشف فيها جمالا آخر أبدعه نور الشمعة.. نظرته جعلتها بين ثلج واشتعال.. رأت شمعة في كل مقلة من مقلتيه.. شمعة تنير العين ولكنها لا تكشف غياهبها..  حاولت تجاهله دون أن تغفل عن استراق النظر إليه من حين إلى آخر... ابتدأ الشمع يسيل على القارورة مشكلا أنهارا بيضاء على ربى الزجاجة الخضراء.. رأى الأنهار والغابات تينع من الأبيض والأخضر.. أخذه المشهد الجديد فانشغل عن عينيها وجلس في أحضان مشهده اليانع... رفعت كأسها فاخترق النور زجاج الكأس.. تمازج النور والخمر .. فكّرت في النور وحده وشربت.. أعادت الكأس إلى منطقة النور.. بقايا أحمر شفتيها ارتسم كهلال على الكأس.. انتابها شعور أنّه هلال شاحب ينذر بالصوم عند رؤيته.. كانت تريده هلال عيد.. تتشاءم من رؤية كأسها فارغة فملأتها من جديد.

أشعل سيجارة.. نظرت إلى ظلّه على الحائط والدخان يتصاعد... بدا وكأنّ رأسه يشتعل.. لهيب الرغبة اجتاحه.. هو ذا يحترق... امتدت يدها إلى حقيبتها اليدوية ولم تكن بعيدة عنها.. تناولت أحمر الشفاه... جعلت تديره من أسفل في إغراء والأحمر يسمق شيئا فشيئا كمارد ينبعث من قمقمه... انتصب أمامها.. وضعته على شفتها السفلى.. مرّرته برفق ثمّ على العليا برفق أكبر.. تلمظت.. أدارت أحمر الشفاه فعاد المارد إلى قمقمه... ثمّ إلى حقيبة اليد. عضّت جانب شفتها السفلى أشعّ نور من أسنانها..

تسارعت أنفاسه... تحرّك لسان النار على الشمعة... ارتعشت الأشياء على الطاولة والظلان على الجدارين... أسرع إلى كأسه فاحتضنها براحة يده... بردها كان سلاما.. شعر بلذة جامحة.. رعشة سرت في كامل جسده... صادف ذلك أحبّ المقاطع إليه من سيمفونية شهرزاد لكورسكوف التي كانت تنبعث من آلة التسجيل وكأنها تتحسّس طريقها وسط لوحة قدّت من أنوار وظلال وأنفاس.. ودخان.

تناولت بيمناها عنقود عنب.. رفعته إلى أعلى.. اشرأبّ عنقها إليه.. انفرجت شفتاها.. قطفت حبّة عنب.. تركت العنقود في عليائه... كيلوبترا.. ناولها هو تفاحة.. لن تقطّع يديها.. ليس يوسف.. أخرجت حبّة العنب من فيها.. احتضنتها بين شفتيها.. جعلت تديرها بلسانها.. أعاد التفاحة إلى مكانها حتى لا يخرج من الجنّة.. أعادت عنقود العنب إلى مكانه.. نهضت من مكانها وذهبت نحوه.. نزعت قميصه وعادت إلى مكانها.. التقطت التفاحة وقدّمتها إليه.. تراقص دخان سيجارتها كالحيّة.. حوّاء في الجنان.. أدنت التفاحة من فيها.. قضمتها.. تركت بعض حمرة شفتيها على مكان القضمة.. قام من مكانه.. نزع قميصها ولكنّه لم يعد إلى كرسيّه فنفخت هي على الشمعة.. ارتعش لسان النار ولم ينطفئ.. تحرّك كلّ ساكن.. حملها بين ذراعيه.. آهات وعرق ولهاث. وسكن ما تحرّك.. عاد كلّ منهما إلى عرشه.. ناولته سيجارتها.. ناولها كأسه.. انطفأت الشمعة فأشعلا أخرى.       

0 التعليقات:

Enregistrer un commentaire

Newer Posts Older Posts